فديوهات

من هم الشناقطة ؟ تعرف عليهم بكل تفصيل


الشناقطة جمع مفرده الشنقيطي وهو نسبة إلى مدينة شنقيط الواقعة في شمال موريتانيا وتأسست سنة 660هـ/ 1261م. واشتهرت المدينة بكثرة علمائها ومدارسها الدينية حتى باتت قوافل الحجيج في هذا القطر تتخذها منطلقا باتجاه الحجاز كما أورد العلامة سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم العلوي (ت 1233هـ/ 1818 م) في مؤلفه: “صحيحة النقل”
وخلال رحلتهم إلى الحجاز مرورا بالمغرب ومصر والسودان ودول افريقيا، كان الناس يسألونهم من أين قدمتم؟ فيردون: شنقيط لأن اسم موريتانيا، الذي أطلقه الاستعمار الفرنسي لاحقا على هذا الجزء من بلاد الإسلام، لم يكن آنذاك قد وجد. فأصبحت كلمة شنقيط تدل على هذا الثغر من ثغور  الإسلام. لكن السفر إلى الحجاز ليس مجرد رحلة دينية لأداء مناسك الحج، بل كان رحلة علمية غالبا ما يستغلها الموريتانيون للتدريس والدراسة وجلب الكتب. كانت قوافل الحج تضم شخصيات علمية مرموقة شاءت الأقدار أن تجمعها مناظرات مع علماء المناطق التي مرت بها. وقد حازت هذه الشخصيات قدرا كبيرا من الاحترام في المشرق العربي. ما أدى إلى حدوث انزياح لغوي في مدلول كلمة شنقيطي حيث لم تعد تعني الانسان القادم من ذلك الحيز الجغرافي كما أريد لها في البداية. بل أصبحت اللفظة تدل على الإنسان المتضلع في العلوم الشرعية واللغوية. فما هي أبرز وجوه الشناقطة في المشرق العربي؟ 
سأحاول على مدى حلقات أن أجيب على هذا السؤال الذي قد يبدو سهلا لكونه مجرد جمع لبعض المعلومات التاريخية من مصادرها. لكن الأمر ليس كذلك بسبب عدة عوامل من أبرزها: 
1- وجود تشابه بين أسماء هؤلاء الأعلام. فمثلا  تجد أن أسماء محمد أمين ومحمد محمود وأحمد محمود تتكرر عدة مرات. ما يجعل التمييز بينها يتطلب الكثير من التحري. 
2- عدم وجود الأسماء المركبة في الغالب لدى المشارقة. لذا تجدهم يعتبرون مثلا محمد أمين ومحمد محمود اسما كاملا أي اسم شخص واسم عائلته فيضيفون له النسبة مباشرة فتجدهم يكتبون محمد أمين الشنقيطي ومحمد محمود الشنقيطي. وهذا يخلق لبسا لدى الموريتانيين لأن إسم محمد أمين ومحمد محمود ليس كاملا عندهم لأن الأسماء المركبة شائعة. فلو قالوا مثلا: محمد أمين فال الخير الشنقيطي أو محمد أمين محمد المختار الشنقيطي أو محمد أمين ما يابى الشنقيطي لزال اللبس.    
3- ضياع أخبار بعضهم. إذ لا تكاد تجد إلا نتفا متفرقة للعديد منهم لأنهم لم يكونوا يدونون عن أنفسهم شيئا. فكتابة التاريخ والسير الذاتية ليست مما دأب عليه أهل بلاد شنقيط.  
ومن أبرز تلك الشخصيات التي تركت بصمات واضحة في الثقافة العربية الإسلامية بشكل عام وبلدان المشرق العربي التي حلت بها بشكل أخص نذكر: 
 محمد محمود بن التلاميد التركزي الشنقيطي (1245- 1323هـ/1829-1904م): 
ولد في منطقة تكانت في وسط موريتانيا وارتحل بين شيوخ البلاد طلبا للعلم. ثم سافر إلى تندوف بالجزائر ومنها بدأ رحلة الحج. ذاع صيته وطار ذكره في كل الآفاق حتى انتدبه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني للسفر إلى اسبانيا لإعداد فهرسة للكتب الإسلامية هناك، فقام بالمهمة على أكمل وجه. أدى مناسك الحج وبقي في المدينة المنورة فترة يدرس إلا أن بعض الخلافات نشبت بينه وبين علمائها. فاضطر لمغادرتها إلى مصر حيث ربطته صداقة قوية بالشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية. وذكر طه حسين في سيرته الذاتية: “الأيام” أن الشيخ الشنقيطي درسه في الأزهر. بقي ولد التلاميد يعلم وينقح ويصحح ويؤلف إلى أن توفي. كان شاعرا وعالما لا يشق له غبار في الفقه والأصول والتفسير والحديث. لكنه انفرد بعلوم اللغة العربية وبزَّ فيها أقرانه فكان المرجع فيها دون منازع. ومن أشهر إنجازاته، تحقيق النسخ الحالية المتداولة للعديد من كتب التراث العربي الإسلامي كما هو واضح في قائمة مؤلفاته. بعث ملك السويد والنرويج أوسكار الثاني – في إطار التحضير لعقد المؤتمر الثامن للعلوم الشرقية في استوكهلم- إلى السلطان عبد الحميد يطلب منه أن يبعث إليه بوفد من علماء العرب والمسلمين برئاسة محمد محمود بن التلاميد. ووافق السلطان لكن شروط ولد التلاميد التي وضعها والخلافات بينه وبين السلطان حول المهمة التي كلفه بها في اسبانيا حالت دون حضور ولد التلاميد للمؤتمر. وقد ترجم الزركلي في كتابه “الأعلام” لابن التلاميد وأثنى عليه. له مؤلفات عديدة لا يتسع المجال لذكرها ومن أبرزها: 
· تحقيق ” القاموس المحيط” للفيروزآبادي
  •  تحقيق ” أساس البلاغة” للزمخشري.
  •  تحقيق ” المخصص” لأبن سيده.
  •  تحقيق” الأغاني” لأبي الفرج لأصفهاني. وقد جمع فيه الأخطاء التي وردت في طبعة بولاق من كتاب الأغاني وصححها.
  •  هوامش على كتاب” الخصائص” لابن جني. 
  • فهرسة الكتب العربية بخزائن مكاتب دولة أسبانية، وقد كلفه به وموله السلطان العثماني عبد الحميد. ولا يزال الكتاب مخطوطا بدار الكتب الوطنية التونسية. وذكر الباحث الموريتاني الخليل النحوي في كتابه: “بلاد شنقيط، المنارة والرباط” أنه وقف على نسخة مخطوطة منه في المكتبة الوطنية بتونس.
  •  رسالة: ” إحقاق الحق وتبرئة العرب مما أحدثه عاكش اليمن في لغتهم”. والرسالة رد على شرح للامية الشنفرى للشيخ الحسن بن أحمد بن عبد الله المعروف بعاكش اليمني (ت 1289هـ/1872م).
ومما قيل في الإشادة بعلم ولد التلاميد ما أنشده تلميذه أديب الحجاز عبد الجليل براده:
لئن فخرت شنقيط يوماً فبالحري 
  وحـق لـها بابـن التلامـيد مفـخـر 
أقـول و إني نـاصح جـد مشـفـق   
  مــقالــة صــدق أجـرها أتـنـظّـَر 
هـلم بـغاة العلم في سـوح طابـة 
  إلى العلم عند ابن التلاميد تظفروا 
أحمد بن الأمين العلوي الشنقيطي (1289-1331هـ/1872-1913م):  
ولد في منطقة القبلة في الجنوب الغربي بموريتانيا وتعلم على كبار علمائها ومشايخها. في سنة 1315 هـ، شد الرحال إلى الحج. وبعد أداء الفريضة، تاقت نفسه لزيارة الأقطار الإسلامية والتعرف على أحوال أهلها، فتوجه إلى آسيا حيث زار البلدان التي ستعرف فيما بعد بالجمهوريات السوفيتية بعد سقوط الخلافة العثمانية. ثم زار تركيا وسوريا قبل أن يقصد مصر ليستقر بها إلى أن وافته المنية. وقد حظي باهتمام كبير في كل المناطق التي حل بها خاصة مصر. وخلف هذا العلامة العديد من المؤلفات رغم أنه توفي في مطلع عقده الخامس. ومن أشهر مؤلفاته: 
   · ” الوسيط في تراجم أدباء شنقيط” وهو أول كتاب مدون عن الأدب الموريتاني وقد أملاه من ذاكرته. 
   ·  شرح “تحفة الموذود في المقصور والممدود” لابن مالك. 
   · شرح “كتاب الأمالي” للزجاج. 
   · الدرر اللوامع وهو شرح على كتاب: “همع الهوامع على جمع الجوامع” في النحو للسيوطي. 
   · المعلقات العشر وأخبار شعرائها. 
محمد الأمين بن فال الخير الحسني الشنقيطي (1293- 1351هـ/1876-1932م): 
ولد في ولاية الترارزه في الجنوب الغربي الموريتاني وبها أخذ العلوم في المحاظر التي تزخر بها المنطقة خاصة قبيلته إدابلحسن. توجه إلى الحجاز فلقي ولد التلاميد المذكور آنفا في مصر. فقدمه لمفتي مصر الشيخ محمد عبده الذي ساعده على إكمال الرحلة إلى الحجاز. حج البيت الحرام وبقي يدرس الناس في الحرمين المكي والمدني. تنقل بين مختلف مناطق السعودية كالقصيم وحائل ودول الخليج كالبحرين والكويت وعمان بل وحتى الهند. وفي الكويت والسعودية، انضم الشيخ الشنقيطي إلى المقاومة التي كانت تعارض الاستعمار الانجليزي وتدعو للتمسك بالخلافة العثمانية الإسلامية. وتذكر الكتب أن أمير دولة الكويت الشيخ مبارك بن صباح الصباح (حكم من 1896 م إلى وفاته 1915 م) حاور الشنقيطي في المسألة. وبعد نقاش طويل، غضب الشيخ مبارك وقال مخاطبا ابن فال الخير: “وردني كتاب بأنكما (يقصد الشنقيطي وزميل له آخر من العلماء) وزميل لكما ثالث من أثاروا الناس في الكويت وحرضوهم على العصيان ضدي، والكويت بلدي وأنا الحاكم فيها. والذي ينازعني فيها فليس له عندي إلا القتل.”، (عبد اللطيف الدليشي الخالدي، الشيخ محمد أمين الشنقيطي، حياته، مذكراته وعلاقته بملوك وشيوخ الجزيرة العربية، بيروت، الدار العربية للموسوعات، ط1، ص 115). لم يكن للشنقيطي بعد التهديد بالقتل إلا الرحيل ومغادرة الكويت خاصة أن الانكليز بدأوا يبحثون عنه لاعتقاله ونفيه إلى الهند. فوجد الملاذ في مدينة الزبير قرب البصرة في جنوب العراق حيث شارك في عدة معارك من الحرب العالمية الأولى إلى جانب جنود الخلافة العثمانية ضد الانكليز ومنها موقعة الشعيبة الشهيرة سنة 1915 م ومعركة كوت الزين وسيحان قرب البصرة. وبعد وفاة الشيخ مبارك، عاد الشنقيطي إلى الكويت مرة ثانية حيث ترك أسرته. لكن الشيخ سالم المبارك الصباح استقبله بالتهديد وطلب منه المغادرة. فعاد مرة ثانية إلى الزبير وبها استقر وأسس جمعية النجاة الأهلية ثم مدرسة النجاة التابعة لها. وقد شاءت الأقدار أن يعود إلى الكويت مرة ثالثة معززا مبجلا مكرما هذه المرة، في عهد صديقه وتلميذه الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح (حكم من 1921 م إلى 1950 م) بعد أن طرده منها جده مبارك الصباح وعمه سالم المبارك الصباح. فكان الاستقبال هذه المرة شعرا. وفي ذلك يقول الشاعر سليمان العدساني: 
إن الـكـويــت لــبـعــدكم   كـادت لــبـلـواهــا تـــمــيــد 
فاصفح لماضيها واغـضـض الطرف عن ذاك البعيد 
هـذي الكـويت تنسـمت    أرجــاؤها لـك مـن جـديـد 
واسـتبشرت بقدومكـم     فـكـأنـمـا كــانــت بـِعـــيـد 
أما الـزبـيـر فـكم لـكم     فـيـهـا مـن الأثـر الـحـمـيـد 
لو كان مثلك عشرة       فــيــنـا لـمـا بـعـد الـبـعـيـد 
عجبي لقوم أغضبو      ك، أما بـهم رجـل رشـيد؟ 
كما يقول عبد اللطيف بن ابراهيم آل نصيف 
 واليوم هللت الكويت وكبرت         لـما أتـاهـا العـالـم الـنـحـريـر 
واستبشرت فرحاً بنابغة الهدى      حـتـى حــسـبـنا أنـها سـتـمـور 
إيه بني قومي وسادة معشري       أومـوا إلـيـه كـلـكـم و أشـيـروا 
خلوا النواظر شاخصات نحوه      ودعوا القلوب تسير حيث يسير 
أمـعـطر الإسـلام من  نفحاتـه       ومعيد روض الدين وهو نضير 
بشرى لهذا الثـغر لـما زرتـه         فـلـكـم تمـنـت أن تــراك ثـغـور 
لم يترك ابن فال الخير الشنقيطي مؤلفات رغم أن مكانته العلمية لا تقل عن باقي الشناقطة. فقد ذكر بعض تلامذته أنه “كان إماما باللغة عالما بالشعر يحفظ الدواوين. كما كانت له اليد الطولى في علم الأنساب. ويروي كتب الصحاح في الحديث ويحدث بها ويدرس علم أصول الحديث وأصول الفقه.” (عبد اللطيف الدليشي الخالدي، الشيخ محمد أمين الشنقيطي، حياته، مذكراته وعلاقته بملوك وشيوخ الجزيرة العربية، بيروت، الدار العربية للموسوعات، ط1، ص 289). إلا أن انصرافه للتدريس وانخراطه في الإصلاح السياسي والاجتماعي أخذا كل جهده ووقته. لكنه ترك ذكرا كبيرا وتأثيرا بالغا في الخليج العربي وتخرج على يديه عدد كبير من العلماء في المناطق التي مر بها. وقد كرمته وزارة الثقافة العراقية بأن خصصت له أول كتاب من سلسلة “أعيان البصرة”، نشر سنة 1978 في بغداد وهو الكتاب الذي أعيد طبعه في بيروت. وهو المرجع الوحيد عن هذا العلم الشامخ من سفراء شنقيط 
______

______

مقطع لا يمل من د. عصام البشير

مشاركة مميزة

سيديا ولد هدار في مدح ولد ابن المقداد

ايكول سيديا ولد هدار  في مدح ولد ابن المقداد ول ابن معلوم عهد..==..والدين ابذل فيه جهد راعي كل اكتاب عند..==..فوك اوخر م...

 
code here